قال الجاهليون: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك".
ويقول الأوروبين: "الوقت هو المال."Time is Money
ويقول الإسلام: "الوقت هو الحياة".
الوقت أغلى من المال؛ فالوقت من أعظم نِعَم الله على الناس، وليلفت ربنا أنظارنا إلى قدر الوقت وقيمته، أقسم بالوقت في آيات كثيرة من القرآن الكريم، قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}، وقال: {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، وقال: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}.. صدق الله العظيم.
إذن الوقت هو العمر، هو الحياة، هو المال، هو السيف الذي إن لم تقطعه قطعك، والعاقل هو الذي يُدرك شَرَف زمانه، وقدر وقته، ولا تراه في ساعة من عمره إلا منشغلاً إما بعمل نافع للدنيا، وإما بعمل نافع للآخرة.
ولقد علّمنا رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- أن أول ما سنُسأل عنه عند لقاء رب العالمين هو الوقت؛ حين قال في حديثه الشريف: "لا تزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عنْ أربعٍ؛ عنْ عُمُرِهِ فيما أفناهُ وعنْ شبابه فيما أبْلاهُ وعنْ مالهِ مِنْ أيْنَ أخذهُ وفيمَ أنْفَقَهُ وعنْ عِلمِهِ ماذا عَمِلَ بهِ".
والوقت مهما طال قصير، والذين يقتلون الوقت ولا يستفيدون منه خاسرون؛ فالوقت يمضي ولا يعود، قال تعالى في الحديث القدسي: "ما من يوم ينشَقّ فجره إلا وهو ينادي بلسان الحال يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد؛ فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة".
الخلاصة أن الوقت هو أغلى وأثمن رءوس الأموال؛ لذا فالحرص على الوقت هو السبيل للرفعة في الدنيا، والجنة في الآخرة؛ فكيف نحرص على أوقاتنا ونستغلّها فيما يحقق لنا ما نريد؟؟ وكيف نستفيد بالوقت، ونجعل منه منهج حياة يصل بنا إلى سعادة الدنيا والآخرة؟؟
لقد اهتم الإسلام بإدارة وقت الإنسان في حياته الخاصة، وفي عمله، وعبادته... وحثّه على اغتنام الوقت وعدم إضاعته؛ حتى أن رسولنا الحبيب ضَرَب لنا مثلاً واضحاً في تنظيم الوقت حين قال في حديثه الشريف: "إن لربّك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً؛ فأعط كل ذي حق حقه".
والإسلام نظّم حياة المسلم الخاصة: نومه، واستيقاظه، وأداؤه للعبادات في أوقاتها قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}. كذلك نظّم انطلاقه في ميدان العمل حين قال: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ}.. كل هذا ليجعل حياة المسلم كلها عبادة لله عز وجل، تقوم على أساس من ذكر الله، وتقواه في القول والعمل.
فما هي إذن الطريقة العملية لتنظيم الوقت؟
أولاً: تنظيم وإدارة الوقت بالاعتماد على الوسائل المُعِينة المتاحة لكل فرد لتحقيق الاستفادة القصوى من الوقت في تحقيق الأهداف، وخلق التوازن في حياة الإنسان؛ ما بين الواجبات، والرغبات، والأهداف؛ لذا يجب أن ينظّم المسلم وقته، وتتم عملية التخطيط بتحديد الأهداف بحسب أهميتها، ثم يقسّم الوقت على تلك الأهداف في حدود الأعمال المطلوب إنجازها لتحقيق كل هدف.
ثانياً: يجب أن نضع وقتاً للطوارئ (أيّ عمل يستجدّ) حتى لا يضيع الوقت بسبب الانشغال بأمور غير مخططة تأتي بشكل عشوائي؛ فتستقطع جزءاً من الوقت المخصص لتحقيق الأهداف.
ثالثاً: يجب أن نكتب خطوات تحقيق الأهداف؛ لأن الفرد يكون أكثر التزاماً حين يقوم بذلك، كما أن الكتابة تُذَكّره بما يجب فعله، وتكون بمثابة واجب يجب أداؤه.
رابعاً: لا بد من عمل تقييم ذاتي بعد انتهاء الوقت المحدد لتحقيق الهدف؛ فعملية التقييم تساعد الفرد على التعرف على أسباب التقصير -إن وُجدت- لتلافيها في المستقبل، وينبغي ألا يطغى الوقت المخصص لعمل ما على الوقت المخصص لآخر.
خامساً: الحرص على البركة في العمل بالبكور قال صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك لأمتي في بكورها؛ فالنهار مستقبل العمل قال تعالى: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا}؛ فالعمل في أول النهار بركة ورزق وفير؛ حيث يكون الإنسان في قوة نشاطه الجسدي والعقلي.
وإن كان وللأسف أكثرنا اليوم ينامون في أول النهار، ولا يستيقظون إلا في الضحى فيفوت عليهم أول النهار الذي فيه بركة، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة لأمته إذا بكرت في عملها.
سادساً: الحرص على الصلاة الخاشعة؛ فالصلاة كما تنظّم الوقت، تنمّي ملكة التركيز عند الإنسان؛ ذلك أن الخشوع هو المطلب الهام الذي يُطلب من المصلي، وأن يحصر اهتمامه بصلاته، ومحاولة الخشوع المستمرّة تشكل أفضل تدريب لتعويد النفس على حصر اهتمامها في شيء واحد، أو بمعنى آخر لتركيز تفكيرها في جانب واحد.. وإنّ الذاكرة تتحسن دائماً بالتدريب المتواصل، ويصبح التركيز فعالاً كلما تمرّن عليه. وإن التركيز وحصر الاهتمام بموضوع ما، له فوائد جمّة في إنجاز العمل المتعلّق به.
إذن.. من ربط وقته بعبادة ربه وعمله وحياته الخاصة بالتنظيم والتخطيط ووضع الأولويات، ثم كتب هذا في جدول زمني بترتيب الأهم فالمهم، ثم حرص على البدء في العمل مع نية التوجه لله بكل عمل وعبادة بارك الله له في وقته الذي هو حياته؛ فأطال بعمله عمره، وبارك له فيه، وخلّده بعمله في ذكر الصالحين الذي يتركون الصالحات من الأعمال التي تشهد أنهم قضوا وقتهم، وحياتهم في طاعة الله قولاً وعملاً.
فالوقت ملك الجميع؛ فمن يستفيد من وقته يصعد عليه ليبلغ العلا والمنى، ومن يترك نفسه للوقت يصعد الوقت عليه فيدهسه ويقتله.
فهل نتعلم الاستفادة بالوقت؟
هل يمكننا تحويل الوقت إلى مال وإلى حياة؟
فلنحاول معاً؛ فوقتنا ملكنا فلا يجب أن نفرط في ما نملك؛ بل يجب علينا أن نستثمره لأنفسنا ولتحقيق ذاتنا.
**********************
وكما عوّدناكم في كل حلقة سنُرفق تدريباً أو اختباراً، وفي هذه الحلقة سنحاول أن نعرف هل نستطيع أن ننظّم وقتنا ونديره أم أننا نهدره وعلينا إعادة التفكير في طريقة تعاملنا معه.. جاوب على أسئلة هذا الاختبار لتعرف.